ليبيا: الأمم المتحدة تمضي في خطوة إطلاق الحوار المهيكل لبلورة العناصر الأساسية لـ عملية سياسية شاملة
طرابلس – «القدس العربي»: تستعد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لإطلاق «الحوار المهيكل» المرتقب خلال الشهر المقبل، في خطوة تهدف إلى معالجة القضايا المزمنة التي قادت البلاد إلى الأزمة الحالية وتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات عامة وتوحيد المؤسسات.
وأكدت الممثلة الخاصة للأمين العام هانا تيتيه، في إحاطتها أمام مجلس الأمن في 14 تشرين الأول/ أكتوبر، أن البعثة تسير بخطى ثابتة في استعداداتها لهذا المنبر الذي سيمكن شرائح واسعة من المجتمع الليبي من المشاركة في بلورة العناصر الأساسية لعملية سياسية شاملة.
وفي سياق الخطوات التأسيسية للحوار، أعلنت البعثة عن مشاركة قرابة 460 شخصاً في محادثة رقمية عبر الإنترنت مع نائبة الممثلة الخاصة للأمين العام ستيفاني خوري، وقد اقترح المشاركون عددًا من الأولويات والقضايا التي ينبغي أن يناقشها الحوار في محاوره الأربعة، وهي: الحوكمة (قضايا الحكم والسياسات العامة)، والأمن، والاقتصاد، وحقوق الإنسان والمصالحة الوطنية.
وأوضحت البعثة أن المحادثة الرقمية أُجريت على هيئة طرح مجموعة من الأسئلة بمدد زمنية محددة، مع إتاحة خيارات مراجعة واختيار الإجابات للمشاركين، كما أعلنت البعثة أنها ستكرر هذه المساحة وتخصص استبيانًا لمن لم يتمكن من المشاركة في المحادثة المباشرة.
وأوضح الناطق باسم البعثة، محمد الأسعدي، أن الحوار المهيكل ليس حوارًا سياسيًا لتشكيل حكومة، بل يهدف إلى معالجة القضايا المزمنة، كما كشف أن الحوار يتناول أربعة محاور رئيسية، وهي: قضايا الحكم والإدارة، والتحديات الاقتصادية والمالية، وإصلاح القطاع الأمني، وملف حقوق الإنسان والمصالحة الوطنية.
وتخطط البعثة لعقد جلسات الحوار داخل الأراضي الليبية، مستفيدة من التجارب السابقة، على أن يمتد الإطار الزمني للحوار من أربعة إلى ستة أشهر فقط، وصولًا إلى الانتخابات العامة. وفي حال فشل المحاولات أو تعثر المسار، أكد الأسعدي أن البعثة ستلجأ إلى بدائل أخرى، مشددًا على حرصها على التوصل إلى حل «ليبي – ليبي» خالص.
وبشأن آلية اختيار الأعضاء، كشفت البعثة عن وجود معايير دقيقة سيتم الإعلان عنها قريبًا. وأكدت البعثة أنها ستضمن التوازن الجغرافي والتمثيل الواسع للمجتمع الليبي، بما في ذلك شريحة النساء والشباب والمكونات الثقافية والمجتمع المدني والمؤسسات.
وأشار الأسعدي إلى أن الحوار سيشمل مختلف مكونات المجتمع الليبي من شباب ونساء ونقابات واتحادات وأحزاب سياسية، ولكن من دون تمثيل رسمي للمؤسسات أو الأطراف السياسية.
وتأمل هانا تيتيه، أن تسهم المشاركة الواسعة في صياغة توصيات عملية تعالج تحديات الحوكمة الآنية وطويلة الأجل وتساعد على تنفيذ خريطة الطريق الجديدة وستطلب البعثة ترشيحات من مؤسسات وهيئات ليبية متنوعة خلال أكتوبر لضمان إشراك الجميع بما يعكس النسيج الاجتماعي للبلاد.
ويأتي الحوار المهيكل بالتوازي مع الخطوات التأسيسية لخريطة الطريق التي أعلنتها هانا تيتيه، كان الأسعدي قد أوضح أن خريطة الطريق ليست جامدة وتمتد من 12 إلى 18 شهرًا، وتشمل مراحل تأسيسية تتعلق بإعادة صياغة القوانين الانتخابية وتشكيل مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
وتهدف البعثة من هذه العملية إلى إعطاء الليبيين صوتًا في رسم مستقبل البلاد، وصياغة رؤية مشتركة، ومعالجة دوافع الصراع القائمة منذ زمن طويل مع دعم الجهود لتوحيد المؤسسات وتعزيز الحكم الرشيد.
وقد سبق أن حذرت عدة جهات على رأسها تكتلات حزبية سياسية، من المبادرات الموازية لعرقلة عمل البعثة، مؤكدة دعمها لخريطة الطريق التي تهدف إلى توحيد المؤسسات السيادية وتشكيل حكومة وطنية جديدة تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.
وأكدت هذه التكتلات على أهمية المشاركة الفاعلة والشاملة للأحزاب السياسية باعتبارها شريكًا أساسيًا في العملية السياسية وضمانة للديمقراطية.
وفي المقابل، قال رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، في وقت سابق، إن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة هانا تيتيه، تجاوزت حدود مهامها المقررة وتدخلت في شؤون المؤسسات السيادية الليبية، مشدداً على أن حكومته تتمسك بحقها في اتخاذ إجراءات سياسية ودبلوماسية وقانونية لحماية سيادة ليبيا ومؤسساتها الدستورية.
وقال إن البعثة الأممية تدخلت بشكل مباشر وغير مبرر في شؤون المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، محاولة فرض آليات لتشكيل مجلسها وفق رؤيتها الخاصة دون أي احترام للقوانين الليبية النافذة أو السيادة مؤسسات الدولة وتشريعاتها، على حد تعبيره. في حين رأى أسامة حماد، أن ما وصفه بادعاء الممثلة الخاصة بأنها أجرت لقاءات مع كافة الأطراف الليبية هو ادعاء باطل، لافتاً إلى أنه لم يجر أي تواصل بينها وبين الحكومة الليبية بأي شكل من الأشكال، معتبراً ذلك يكشف عن نهج انتقائي ومغرض في تعاملها مع الأطراف الليبية. وتابع: نصبت البعثة نفسها وصياً على التشريعات الدستورية والقانونية المنظمة للعملية الانتخابية متجاوزة اختصاص السلطة التشريعية الليبية الممثلة في مجلس النواب في انتهاك صريح للسيادة الوطنية الليبية، مشيراً إلى أن تلويح البعثة هو باتباع نهج بديل، ومطالبة مجلس الأمن بتجاوز المؤسسات الليبية المنتخبة إذا لم تتماش مع خططها، وهو تهديد مرفوض ومساس خطير بالإرادة الوطنية.
وفي مواجهة أي محاولة لعرقلة المسار، أكدت البعثة أن أسماء المعرقلين ستُرفع إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ الإجراءات والعقوبات اللازمة.
واعتبرت البعثة الأممية أن الحوار المُهيكل سيشكل، من خلال تمثيل ليبي واسع وشامل، ضمانة لمحاسبة الأطراف الرئيسية والدفع باتجاه تحقيق تطلعات الليبيين إلى سلام واستقرار وازدهار دائم.
وبالإضافة إلى مجلس الأمن، نبهت البعثة إلى قيامها بالتعاون مع ألمانيا أخيرًا بإعادة تنشيط لجنة متابعة عملية برلين الدولية بشأن ليبيا بعد انقطاع دام أربع سنوات لتنسيق إجراءات المجتمع الدولي والاستفادة من تأثير مسار برلين في دعم العملية السياسية التي تيسرها البعثة.
وفي 21 آب/أغسطس الماضي، عرضت تيتيه على مجلس الأمن الدولي خريطة طريق جديد لإعادة إطلاق العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة في ليبيا بناءً على توصيات اللجنة الاستشارية والملاحظات التي تلقتها البعثة من الشعب الليبي، فضلاً عن الدروس المستفادة من فشل الجهود السابقة لإجراء الانتخابات في عام 2021.
وقالت تيتيه إن البعثة على قناعة بأن العملية السياسية يجب أن تركز على ضمان إحراء انتخابات عامة وتوحيد المؤسسات من خلال نهج متسلسل، حيث قدمت خريطة طريق ترتكز على ثلاثة محاور ينطلق الأول من توفير إطار انتخابي سليم فنياً، وقابل للتطبيق سياسياً، يفضي إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، والثاني توحيد المؤسسات من خلال حكومة جديدة موحدة؛ والثالث تنظيم حوار مهيكل بمشاركة واسعة من الليبيين كافة.

0 Comments: