الأمم المتحدة في ليبيا..مشاورات واسعة تكشف تأييداً لحل المؤسسات القائمة وتأسيس مسار سياسي جديد
أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أنها أجرت مشاورات واسعة شملت 2,481 شخصاً من مختلف الأطياف الليبية، عبر لقاءات مباشرة وعبر الإنترنت، ضمّت قيادات المجتمع المحلي، وممثلي مؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب، والنقابات، والنساء، والشباب. وأكدت البعثة في بيانها أن غالبية المشاركين أبدوا دعماً واضحاً لحل المؤسسات القائمة والانتقال نحو صيغة جديدة تفتح الطريق أمام تسوية سياسية شاملة، معتبرين أن استمرار الوضع الحالي يكرس الانقسام ويعيق الوصول إلى استقرار دائم.
البيان الأممي أشار بوضوح إلى أن المقترح الرابع الذي صاغته اللجنة الاستشارية التابعة لمنتدى الحوار السياسي كان الأكثر تفضيلاً، إذ ينص على حل المؤسسات القائمة وعقد منتدى للحوار يتولى مهمة تعيين هيئة تنفيذية جديدة، إلى جانب اختيار جمعية تأسيسية من 60 عضواً، تتولى وضع دستور مؤقت وصياغة القوانين الانتخابية التي تمهّد لإجراء الانتخابات الوطنية. وبذلك، يضع المقترح خريطة طريق تتجاوز الهياكل المتنازَع عليها، لصالح مؤسسات انتقالية موحدة ذات شرعية سياسية أوسع.
هذه المقاربة الأممية تعكس إدراكاً عميقاً لأزمة الشرعية التي تعصف بالمؤسسات الليبية منذ سنوات، حيث باتت الأجسام القائمة سواء التنفيذية أو التشريعية –فاقدة للقدرة على تمثيل الطيف الليبي أو إنتاج تسويات قابلة للحياة. ومن هنا، يمكن قراءة طرح حلّ هذه المؤسسات باعتباره خطوة جريئة لكسر الجمود، خصوصاً بعد أن أفضت الانقسامات إلى ازدواجية حكومية، وانقسام مصرفي، وتنافس عسكري بين قوى متنازعة، بينما ظل المواطن الليبي يدفع ثمن الانقسام سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
لكن اللافت أن المشاورات التي أجرتها البعثة لم تقتصر على النخب السياسية، بل انفتحت على شرائح أوسع من المجتمع، ما يعكس محاولة لإضفاء طابع شعبي – مجتمعي على المخرجات، وإعادة ربط العملية السياسية بالليبيين أنفسهم، بعيداً عن الحسابات الضيقة للفاعلين التقليديين. هذا التوجه يتماشى مع استراتيجية الأمم المتحدة الرامية إلى بناء توافق وطني لا يقتصر على توافق بين قيادات متناحرة، بل يشمل أصوات النساء والشباب ومنظمات المجتمع المدني التي طالما همّشت في معادلة السلطة.
غير أن الطريق إلى ترجمة هذا المقترح ليس سهلاً، فحل المؤسسات القائمة سيصطدم برفض متوقع من القوى المتحكمة في مفاصل السلطة التي تخشى خسارة نفوذها. كما أن الاتفاق على جمعية تأسيسية جديدة، وصياغة دستور مؤقت، قد يثير حساسيات بين الأطراف المختلفة حول طبيعة النظام السياسي وشكل تقاسم السلطة والثروات.
وفي ظل التجارب السابقة، يظل هاجس تعطيل المسارات السياسية عبر أدوات عسكرية أو عبر التدخلات الخارجية قائماً بقوة.
على الصعيد الدولي، يحظى هذا المسار بدعم ضمني من أطراف كبرى ترى في إعادة تشكيل المؤسسات خطوة ضرورية لكسر حلقة الانقسام، لكنه قد يواجه اعتراضات أو محاولات لإعادة توجيهه من قوى إقليمية لها استثمارات في بقاء الأجسام الحالية. وهو ما يجعل نجاح المقترح الأممي مرهوناً بمدى قدرة الأمم المتحدة على حشد دعم إقليمي ودولي موحّد يحمي العملية السياسية من الإرباك والمناورة.
في المحصلة، فإن انحياز غالبية المشاركين للمقترح الرابع يكشف عن توق شعبي واسع إلى تجاوز حالة الانسداد، وتجديد الشرعية السياسية على قاعدة توافقية. وهو ما يضع النخبة الليبية أمام اختبار حقيقي: إما الالتحاق بمسار جديد يمنح البلاد فرصة للخروج من أزمتها الطويلة، أو الاستمرار في دوامة الصراع التي استهلكت موارد ليبيا واستنزفت آمال شعبها.
وبين هذين الخيارين، يظل الدور الأممي محورياً في ضبط الإيقاع وتحصين العملية السياسية من الانزلاق إلى الفشل مجدداً.
0 Comments: